غلام رسول، نیو إیج إسلام
إنّ الاِسلام ليس مجرد نظام العبادة والخشوع ، وإنّما هو منهج متکامل للحياة الإنسانیة الواقعية، يدعو إلى أداء المھام البشریة الواجبة و والتكاليف الالهية في عالم الضمير وعالم الواقع على حدٍّ سواء. انطلاقا من ھذا، فإن الاَمر بالمعروف والنهي عن المنکر لیس مختصا بمورد من الموارد الدینیة، ولا بمجال من المجالات الشرعیة، بل هو شامل لجميع ما جاء به الاِسلام من أخلاق وقيم ومفاهيم وموازین، وھو یتضمن جمیع التصورات والمبادئ التي یقوم علیھا أساس العقيدة الاِسلامية، بما فیھا العلاقات الإنسانية، والشرائع والقوانين والثقافات، والأوضاع والتقاليد.
(3.110)
‘‘ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون’’
3.104))
‘‘ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون’’
(7.157)
‘‘ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون’’
(9:71)
‘‘ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم’’
معاني کلمات الآیة القرآنیة المتعلقة ب ‘‘الأمر بالمعروف والنھي عن المنكر"
قال اللہ سبحانھ في القرآن الکریم: ‘‘وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ’’
إذا لفتنا النظر إلی معاني کلمة ‘‘دعا’’ (التي اشتق منھا الفعل المذکور أعلاہ في الآیة ‘‘یدعون’’) تأکدنا من أنھا لا تدل على معنى القوة أو الإكراه. ولذلك، فمن الواضح أن الدعوة إلی الخیر لا یجوز أن تکون باللجوء إلى القوة والإكراه والعنف والتطرف أو بأي انتهاك لحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، أمر القرآن الکریم بشكل صريح أن أسلوب الدعوة الإسلامية يجب أن یکون لطیفا، ومتوازنا، ومعتدلا، وسلميا، وخالیا من کل أنواع التطرف والمغالاة، کما تقول الآية القرآنية التالية:
‘‘ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين’’ سورة النحل۔ 16:125))
یقول القرطبي رحمھ اللہ في تفسیر ھذہ الآیة القرآنیة : ‘‘هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة’’.
ففي ھذہ الآیة القرآنیة، أمر اللہ تعالی رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الخلق جمیعا إلى الله بالحكمة، و لا تحقق الحكمة بدون الرفق واللين في الکلام۔ و الموعظة الحسنة هو القول اللين الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف کما قالھ الإمام البغوي في تفسیرہ للقرآن الکریم [تفسير البغوي : 5/52] وقوله تعالی : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) أي : من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) [ العنكبوت : 46 ] فأمراللہ سبحانھ نبیھ محمد علیھ اللسلام بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - حين بعثهما إلى فرعون فقال : (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) [ طه : 44 ] .
أما قوله : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فمعناہ أن اللہ جل وعلا قد علم الشقي منهم والسعيد ، وكتب ذلك عنده وفرغ منه ، فادعهم إلى الله ، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات ، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ، عليك البلاغ ، وعلينا الحساب ، ھذا ما یشیر إلیھ قولھ تعالی ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] و ( ليس عليك هداهم ) [ البقرة : 272 ] .
ومنذ أن أفضل طريقة لفهم وتفسير الآيات القرآنية هو ‘‘تفسير القرأن بالقرآن’’، أقدم هنا بعض الآيات القرآنية ذات الصلة التي تشرح الآية المذکورة أعلاه وتثبت أن الأمر الإلهي لدعوة الناس إلى الخیر تلزم الحكمة وحسن الکلام والابتعاد عن العنف والعدوان والإکراہ:
﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾(20: 44)
(And speak to him mildly, perhaps he may accept admonition or fear (Allah))
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾
(Truly, your Lord best knows who has strayed from His path,)
﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ﴾(28:56)
(You cannot guide whom you love)
﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾(2:72)
(It is not up to you to guide them, but Allah guides whom He wills.)
﴿وَلاَ تُجَـدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـبِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾ ﴿29:46﴾
(And do not argue with the People of the Book, unless it be with that which is best, except for those who purposefully do wrong.)
شرح معاني لفظ ‘‘الأمر’’
جاء لفظ (الأمر) بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم في أكثر من مائتي موضع، بحیث الاسم والفعل، وبمعان مختلفة وفقا للسياق الذي ورد فيه. وقبل أن نتعرف على المعاني التي ورد فيها لفظ (الأمر) في القرآن الکریم، ینبغي أن نراجع إلى معاجم اللغة، لمعرفة معنى (الأمر) في لسان العرب:
تفيد معاجم اللغة الموثوقة بھا أن لفظ (الأمر)، یأتي بخمسة معان أساسية:
الأول: (الأمر) بمعنى (الفعل) و(الشأن)، ويجمع على أمور؛ تقول: هذا أمر رضيته، وهذا أمر لا أرضاه. وعلى هذا المعنى جاء قولهم في المثل: أمر ما أتى بك.
الثاني: (الأمر) الذي هو نقيض (النهي)، ويجمع على أوامر؛ كقولك: افعل كذا، على جهة الأمر والطلب؛ وهو مقابل (النهي) عن فعل ما.
الثالث: (الأمر) بمعنى النماء والبركة؛ وعلى هذا المعنى جاء قول العرب: من قل ذلَّ، ومن أمِرَ فلَّ، أي: من كثر غلب. ومنه قولهم: لقد أمِرَ بنو فلان، أي: كثروا.
الرابع: (الأمر) بمعنى العلامة، تقول: جعلت بيني وبينك أمارة وأمارًا، أي: موعدًا وأجلاً.
الخامس: (الإمْر) بكسر الهمزة، كـ (الإصر) بمعنى (العَجَب)؛ يقال: شيء إمْر، أي: عجب ومنكر، ومنه قول الشاعر:
لقد لقي الأقران مني نكرًا داهية دهياء إدًّا إمْرًا
أما في القرآن الكريم، فقد جاء لفظ (الأمر) على عدة معان مختلفة:
فجاء بمعنى (الوعد)، ومنه قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} فـ (الأمر) هنا (الوعد)، أي: ما وعدهم به من المجازاة؛ ومثله قوله سبحانه: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} (هود:40) أي: جاء وعد الله، بإرسال الطوفان على قوم نوح.
وجاء بمعنى ‘‘الدين’’، کما في قوله تعالى: ‘‘حتى جاء الحق وظهر أمر الله’’} التوبة:48)، يعني دين الله الإسلام؛ ومثله قوله سبحانه: {فلا ينازعنك في الأمر} (الحج:67) فـ (الأمر) في الآيتين يراد به دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وجاء بمعنى (الشأن) و(الفعل)؛ ومنه قوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} (هود:97)، أي: وما فعل فرعون وشأنه برشيد؛ ومنه قوله سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} (النور:63) أي: عن سبيله، ومنهاجه، وطريقته، وسنته.
وجاء بمعنى (القول)، ومنه قوله تعالى عن قوم فرعون، حين اختلفت أقوالهم حول موسى عليه السلام، وما جاءهم به: {فتنازعوا أمرهم بينهم} (طه:62)، أي: تنازعوا القول بينهم، واختلفوا في أمر موسى؛ وقوله سبحانه عن أصحاب الكهف: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} (الكهف:21)، أي: اختلف قول علية القوم في شأن الفتية المؤمنة، الذين فروا بدينهم ولجؤوا إلى الكهف.
وجاء بمعنى (الحساب)، ومنه قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر} (إبراهيم:22) أي: انتهي من الحساب، وبيان كل إنسان ما له وما عليه؛ وقوله سبحانه: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} (مريم:39)، أي: فُرغ من الحساب، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
وجاء (الأمر) بمعنى القضاء والقدر، ومنه قوله تعالى: {يدبر الأمر} (يونس:3)، وقوله سبحانه: {ومن يدبر الأمر} (يونس:31)، قال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده.
والمهم في هذا الصدد، أن نعلم أن هذه المعاني المذكورة للفظ (الأمر)، لا ینبئی أي واحد منھا إلی التطرف، أو التشدد، أو التنطع، أو العنف، أو الإکراہ، فکیف یجوز الإکراہ في الأمر بالمعروف؟ والحق أن الإکراہ أو التطرف لا أصل لھما في الدین الإسلامي إطلاقا۔ وذالک لأن اللہ سبحانھ لم یجعل في ھذا الدین من حرج، بل بعث دینھ ورسولھ کلیھما لیسھل علی الناس أمورھم وشؤونھم۔ وھذا ما یثبتھ الکثیر من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة، ومنھا:
قولھ سبحانھ وتعالى: ‘‘مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ’’ (المائدة:6)
وقولھ سبحانھ وتعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة من الآية 185)
وقولھ سبحانھ وتعالى: يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم (النساء من الآية 28)
وقولھ سبحانھ وتعالى: ‘‘فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ’’ فالرفق أصل الدعوة لأن الله ابتعثنا ميسرين ولم يبتعثنا معسرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حدیث لھ۔
وقولھ سبحانھ وتعالى: ‘‘هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْـمُسْلِمِينَ’’ (الحج: 78)
وکذالک الکثیر من الأحادیث النبویة تدل علی أن كل ما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثمًا؛ لأن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تقول: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.
وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) متفق عليه
وأن الرفق من صفات الخالق (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطي علي العنف وما لا يعطي علي ما سواه ). رواه مسلم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي قال : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ابشروا ، استعينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة ) رواه البخاري (177).
وفي رواية له : ( سددوا وقاربوا اغدوا وروحوا ، وشيءٍ من الدلجة القصد القَصد تبلغوا ) (178).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون (أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، حديث رقم (2670) و قال شراح الحديث : والمتنطعون هم - الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُود فِي أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره» وفي لفظٍ: «إنكم أمة أُريد بكم اليُسْر». أخرجه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ. (أخرجه أحمد في المسند (الرسالة 4/17، تحت رقم 2107)، والبخاري في الأدب المفر (صحيح الأدب المفرد ص122، تحت رقم 220/287)، وعبد بن حميد في مسنده (المنتخب 01/497، تحت رقم 567)، وعلقه البخاري في كتاب الإيمان باب الدين يسر وقول النبي r: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة".)
و المستفاد من ھذہ الأحادیث المذکورة أن الإسلام دين الیسر، واللطف، والاعتدال، والتوازن، والرفق، ولین الکلام، ولذا وصفھ الرسول علیھ السلام بدین ‘‘الحنيفية السمحة’’، و السماحة تتنافى مع الإکراہ والغلو والتطرف فيه؛ فإلاسلام دين لا ضيق و لا شدة فيه.وکل من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة المذکورة أعلاہ تدل على أن التوسط والاعتدال في الدین هو سبيل النجاة من الهلاك؛ فإن التشدید في ذم التطرف والتنطع والمغالاة والمجافاة وتجاوز الحد في الأقوال والأفعال، یدل على أن المطلوب هو التوسط والاعتدال۔
25 سبتمبر 2013م
URL for English article: https://newageislam.com/islamic-ideology/the-beautiful-islamic-doctrine-enjoining/d/13536
URL for this article: https://newageislam.com/arabic-section/the-beautiful-islamic-doctrine-enjoining/d/13714